نحن أقدم شعوب الأرض فى فن الحكى والقص، ماذا حدث لنا الآن فأصبحنا نعانى من عدم القدرة على حكى حكاية بتفاصيلها الحقيقية؟! فليس الأمن وحده هو الذى أخفق فى القبض على جناة حادث تفجير الكنيسة بل أخفق كل الشهود فى حكى تفاصيل الجريمة، معقول شارع يعج بالآلاف من المارة والسكان والبشر ورجال الأمن ولا يستطيع فرد فيهم أن يحكى تفاصيل الواقعة كما رآها وليس كما تخيلها!

وطبعاً هناك فرق بين ما حدث فعلاً وبين ما تمنيت أنت أن يحدث أو تخيلت أنه قد حدث، تضاربت التفاصيل وتناقضت الحكايات وتضادت القصص لدرجة أننى تخيلت الشهود وكأنهم من كواكب أو مجرات مختلفة، فتارة سيارة مفخخة انفجرت، وتارة أخرى سيارة هبط منها شخص، وحكايات عن عابر سبيل مفخخ دون سيارة، وقصص عن حزام ناسف وأخرى عن قنبلة مسامير بدائية الصنع، وهناك من يبكى وهو يحكى قصة بائع المصاحف الذى اختلطت دماؤه الذكية بدماء إخوته الأقباط فى تحالف هلالى صليبى يؤكد نظرية النسيج الواحد، وهناك من ضحك فرحاً وهو يشاهد هذا البائع على رصيف آخر فى محافظة أخرى! تأكيدات هنا على ملامح أفغانية للجانى ويقين هناك بأنها ملامح فرعونية، بلاغ عن قدمين بمقاسين مختلفين وآخر عن رأس مقطوع على سطح كنيسة تشبه ملامح محام غاضب من نشر الصورة لأنها تشبهه لدرجة أن جيرانه شكوا فيه رغم أن رأسه مازال على كتفيه فضلاً عن أن ملامحه غير أفغانية!

كوميديا سوداء تثبت أننا فقدنا القدرة على أن نحكى، فقدنا مهارة أن نكون شهوداً، نحكى بفهلوة، ونقص ببهارات الخيال وليس بطعم الحقيقة، تذكرت يوم أن حكى لى صديق عن تفاصيل حلقة برنامج كنت ضيفاً فيه، ما حكاه لم أقله إطلاقاً، والنزر اليسير من الحقيقة كان على لسان الضيف الآخر وليس على لسانى!! هى مأساة حقيقية أن نكون أكثر الشعوب فضولاً وحشرية على وجه الأرض ولا نجيد حكاية ما نشاهده بصدق لأننا لا نفكر بشكل علمى، فالعلم يحرضنا دائماً على الحكاية المختصرة الموجزة الشبيهة بالمعادلة التى لا تنفع معها إضافات أو حواش، وأرجوك أن تجرب عزيزى القارئ أن تجعل خمسة من جيرانك يحكون لك حادثة تافهة حدثت فى الشارع، أراهنك على أنك ستسمع العجب العجاب مما يتفوق على حكايات ألف ليلة وليلة، ستحس فوراً بأنك فى سيرك بهلوانات أو فى زار دراويش، ستتوه منك التفاصيل وستتهم نفسك فى النهاية بأنك مجنون أو على الأقل تعانى من ألزهايمر!

نجحنا فى أن نكون مجرمين وفشلنا فى أن نكون شهوداً على الجريمة!